من مِنّا لم يراوده حلم الإستقرار والعيش تحت ظل عائلة متكاملة الأطراف؛ وببساطة لأن ذلك هو الوضع الطبيعي في كل أسرة تتكون من أب وأم وأخوة وأخوات. وبالتالي فإن إنفصال أي فرد من أفراد العائلة له أثرًا بالغًا بنفوسهم سواء كان ذلك لسبب إيجابي كـ "الدراسة ووظيفة بمدينة أخرى، زواج، او إبتعاث....الخ" او لسبب سلبي خارج عن إرادتهم جميعًا كالسجن او النفي. فالقلب الرقيق او الشخصية العاطفية لا يتحملا الإنفصال حتى لو كان لأمر إيجابي حتى يعتادوا على إفتقادهم مع الأيام؛ فكيف لو كان الإنفصال لسببًا سلبيًا.
فحياة العائلة التي تفتقد أحد أفرادها كئيبة جدًا فكيف لو كان ذاك الفرد الغائب مسجونًا. فأيامهم تصبح غائمة تكسوها الزوابع المجتمعية فإضافةً لإقامتهم مع هم الفراق تجدهم محاصرون بين همّ الذنب المقترف والهموم المرتبطة بنظرات الأقارب والجيران والمجتمع؛ فكلها مآسي تجعل من تقبلهم لهذه المُصاب الجلل صعبًا جدًا. فتغدو أحوالهم متأرجحة ما بين عين تبكي عزيزًا وعين تخشي قريبًا، وعين تتحاشي السير بمجتمع لا يرحم. ثم لتصبح مشاعرهم مختلطة ما بين الإعتراف بذنب عزيز وبين مواجهة من يلاحقهم بنظرات الإتهام وكأن مصابهم لا ينتهي.
وعلى الرغم ممّا تقاسيه أُسر المساجين من قهر ويكون ذلك واضحًا على مُحياهم، تجد بعضًا من السُذج الذين لا يهتمون بوضع عائلة تأثرت نفسيًا ومجتمعيًا من سجن أحد أفرادها لتتحدث عنهم او عن سجينهم وقضيته بلا إحترام لمعاناتهم او تأدب معهم. فمن أكثر الأسباب التي جعلتهم مكسوري الجناح؛ الخوف من تحقير المجتمع لهم، والخوف من سوء السمعة الذي سيلحقهم بسبب أخ او قريب، وخشية التعليق والإستهزاء بهم في الأماكن العامة. فلا يمزق عنفوانهم ويساوي بكرامتهم الأرض إلّا معاملتهم بسوءٍ وحذر كأنهم المذنبين؛ مُلبِسينهم رداء ذنبٍ إرتكبه فردٌ أخر من عائلتهم او يشاركهم إسمم العائلة او قد يكون شخصًا عزيزًا عليهم نشأ بينهم فأذنب ذنبًا جعلهم يحملونه معهم.
العقل يقول بأنهُ قدرٌ وواقع مظلم ألمَّ بتلك الأسر؛ والسيئ الذي نشأ بينهم تجري محاسبته على كل سوءٍ قام به؛ إذن فلماذا تتم مضايقة أسرة كاملة جرّاء ذنب أحد أفرادها. فعلى سبيل المثال: الأشجار تثمر الجيد والسيء، والحامض والمالح، والصالح للأكل وما لا يصلح للأكل بعد أن أتلفته الدود او المبيدات؛ فنتناول الجيد منها ونتخلص من كل ثمرةٍ فِجَّة. ورغم ذلك تبقي الشجرة شامخة كما هي لا يلحقها ذنبُ الثمر الفجّ الذي طرحته ولا تُنعت بذنب ثمرة أتلفتها الحشرات؛ وعلى هذا القياس، كيف نلوم الأصل على السوء الذي أرتكبه الفرع السيء بها.
خُذوها قاعدة؛
ذنب الفرد يبقي حبيسًا به لا يتشعبُ أذاه .. إلّا إذا تم تعميمه على المحيطين به
هاجر هوساوي
@HajarHawsawi