الاثنين، 16 مارس 2020

الفضفضة في أروقة الانتظار

الفضفضة عادة تقول عنها قناعاتنا أنها ليست بحميدة ككل ولكن القلب يؤمن بأنها نوعًا ما وسيلة لإفراغ بعض الهموم التي اثقلت على القلب والفكر. إذن فهل تعتبر الفضفضة بحجة التنفيس عن النفس حلًا لراحة الفؤاد أو هي فقط عادة سيئة لا جدوى منها سوى تعرية المرء أمام غريب قد لا يحفظ سره الذي ظن بأنه باح به لشخص مجهول عنه؛ لأنه بعد ذلك لا يعلم فقد يصبح ذلك المُنصت المجهول في يوم من مع الأيام معلومًا له أو لأحد المقربين منه الذي دام يخبئ عنهم أدق تفاصيله.

فما أكثرهم في انتظار المستشفيات والصوالين والدوائر الحكومية والأسواق؛ فما أن يبدأ ذلك المجهول بالسلام عليك وسؤالك عن رقمك في قائمة الانتظار حتى ينتهي بتاريخ عائلته وحالته الصحية والنفسية ومشاكله مع المقربين منه من أقرباء وزملاء عمل وأصدقاء. فهي سويعات أو دقائق سرد لا تنتهي حتى ينادا على أسم الشخص سواءً كان ليستعد لحلول دوره أو انقضاء مهمة من رافقه من أقربائه؛ فيمضي وهو ظانًا بأنه تخلص ممّا يثقل عليه لمجهولٍ عنه لم ولن تجمعه الحياة به يومًا ما.

هي عادة قد يكون لها تأثير إيجابي على النفس؛ لكن هل فكر المرء في العواقب أو في تأثيرها المُستقبلي عليه! أو هل من الحكمة أن يعتاد المرء على الحديث مع كل عابر؟ أو هل من الذوق ارباك الآخرين بقصص وقضايا لا تعنيهم بشيء يقدر ما أنها ستكون مصدر ازعاج لهم!؟ أو هل هناك ما يضمن للمتحدث بأن من يبوح له همومه ويبلغه قراراته ويفنِّد له قراباته بأنه لا يعرف أو لن يتعرف على أحدهم مستقبلًا أو لن يعرف آخر له صلةً بهم؟ فربما قد يصل معه بين أطراف الحديث الذي تتخلله خصوصياته التي لم يبح بها حتى لأقرب المقربين منه لنقطة معرفة تلتقي فيها العلاقات.

💡بُح بهمك كما تشاء لكن عليك أن تعلم بأن المُستمع قد يكون مُثقلًا بما يفوق همك لكنه محصنٌ نفسه بقناعاته القلبية قبل العقلية التي تحميه من عواقب زلات اللسان بإسم الفضفضة. وأعلم بأن ما أفرغته في آذان المنصت قد يفرغه في آذان منصتٍ آخر وهكذا حتى تدور الدائرة لتصل لك بضاعتك لكن على هيئة مصيبة بحت بها تنفسيًا وعادت لك بمئات الأكاذيب حتى تحتضر بها.

هاجر هوساوي
@HajarHawsawi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق