العمر مجرد رقم يتصاعد مع مرور السنين وقيمته تكمن في استثماره على الوجه الذي يعطي العمر القيمة التي يستحقها لا الرقم الذي وصل إليه. وعمرًا يمضي بلا عطاء لم يكن إلّا عددًا يرتفع وهو وإدً طاقة كل مرحلة عمرية مرَّا بها. فالعطاء هو الهبة والبذل وقد يكون أيضًا التضحية إن بات الفرد مهووسًا بما يقدمه من بذل. وإضافةً الى ذلك، قد يكون العطاء تلك الروح التي تُثري كل مرحلة عمرية يعيشها المرء؛ فهو لا يرتبط بعمر محدد مادام الفرد شغوفًا بعمله محبًا لما يقوم به.
طاقات عديدة عطاءهم لا حصر له وشغفهم لا تحدَّه حدود واخلاصهم لا مثيل له لكن لم تستثمر طاقاتهم ولم تعطى الفرص التي تستحقها. حتى في سعيهم وراء أهدافهم معطاءين فلا تمضي فرصة في سبيل شغفهم من غير أن تستثمر في تطوير أداؤهم وتحسين مستواهم. أمثلة كثيرة تكرر عادة لكن باختلاف مكان واهتمامات اصحابها. وابرز الطاقات الغير مستثمرة في عمر عطاءهم: حديثو التخرج ذوو الهمم العالية المترقبة لممارسة شغفها الذي تعلمته والساعية بلا كلل رغم الشروط الوظيفية الصعبة التي تعتبر أولى عقبات عطاءهم، والمتمسكون بوظائفهم البسيطة على الرغم من تعقدها وبعدها عن طموحاتهم، والمنخرطون في البيئات المتعددة رغم بعدها عن مجال تخصصهم، وأصحاب الافكار المجنونة أو المستحيلة التي قد لا تبدو منطقية لأول وهلة، والشغوفون بوظائفهم رغم عملهم تحت ادارات غير محفزة وبيئة عملية طاردة.
قصص عديدة لأفراد في ذروة عطائهم الذي لم يستثمر بعد؛ وهُمِشوا لتنطفئ شعلة نشاطهم بسبب الإهمال أو السخرية من حماسهم أو بسبب تعطيلهم قصدًا. فقد برزت الايام الماضية عناوين مختلفة لوسوم عديدة لطاقات متنوعة لم تُستثمر في قمة عطاءها؛ فعلى سبيل المثال:
#جامعيات_قديمات_عاطلات
#مؤهل_معطل
#تثبيت_متعاونات_الجامعات
#اين_فرص_الماجستير
#عاطلون_بشهادات_عليا
#الماجستير_يطالبون_بالعمل_الأكاديمي
#تهميش_خريجي_الدبلومات_الصحيه
#بطاله_العلاج_الطبيعي
#بطالة_أطباء_الأسنان
#عاطلون_مختبرات_طبيه9
#الصحه_تهمش_الصيادله_والاسنان
#.......الخ
فالعطاء لم يرتبط يومًا بعمرٍ معين أو مرحلة عمرية محددة؛ لكن قيمة العمر تكمن في حجم البذل والعطاء الذي قدم به. ولو وُضِع بعين الاعتبار حجم الاستثمار في الطاقات الذي يمكن ان يعكس أهمية كل مرحلة عمرية لمّا اُهدرت هباءً أي طاقة معطاءه واستثمر كل قلب شغوف وضمير حي بروح العمل.
هاجر هوساوي
@HajarHawsawi
جمعت لكم فيها من كل بحر من بحور الحياة قطرة؛ فأنا أكتب فيها أولًا لأجلي، لأثقف نفسي .. لأحفز نفسي .. لأطوٌر من نفسي؛ لأني على ثقة أن ما أحببته لنفسي لاحقًا سيحبه القراء لأنفسهم.
الاثنين، 29 أبريل 2019
الاستثمار في عمر العطاء
"باب رزق جديد على عاتق الطفولة"
في ثواني قصيرة طفلة تبكي من شدة الألم وارتفاع حرارتها؛ ومن توثق لحظات آلامها منشغلة بمشاركة هذه اللحظات مع متابعي تفاصيل حياتها. ففي سبيل الشهرة، بتنا نشهد مقاطع كثيرة لأطفال لا يملكون من أمرهم شيء سوى ردودًا وأفعالًا تُملى عليهم حتى الانتهاء من المحتوى المراد نشره للعامة. على سبيل المثال: طفلًا يلهو مبتسمًا، وآخر يتكلم بفصاحة، تلك تُظهر هواياتها بلا ارتباك، وذاك يتصرف بنضوج، وتلك رمزًا للجمال الطفولي، وأخرى رمزًا لبراءة الطفولة وقوتها. بعض الأطفال حباهم الله بامتيازات فريدة ومواصفات نادرة جعلتهم محط إعجاب والديهم قبل المقربين منهم والغرباء حولهم.
فنتج عن ذلك، بعضًا من الأهالي الذين يخشون على أبناءهم كثيرًا؛ فيسعون جاهدين لوأد أي تفرُّد يظهر للعموم حتى لا تُصيبهم عينًا حاسدة. وبالمقابل بعضًا آخر يتطور إعجابهم بأبنائهم فيقرِروا مشاركة تميُّزهم مع العموم حتى يصلوا بهم بالأخير لعالم الشهرة. وبكلا الحالتين؛ الخوف المبالغ فيه أو الإعجاب المبالغ فيه لم يكونا إلّا وأدً لطفولتهم البريئة التي تتوه في دوامة الحرص الشديد حدَّ الوصول لقتل التفرُّد بنفوسهم أو في دوامة هاجس الشهرة حدَّ الوصول للاستغلال المادي لبراءتهم.
من وجهة نظر فردية، محاولة إخفاء الموهبة، حرصًا على من تميز بها لا يؤذيه بقدر استغلاله لجعله بابًا لرزقٍ جديد لجني الأموال بلا تعبٍ ورقابة قانونية. فالموهبة او التفرُّد اللذان يتم إخفاءهما لفتره عن العامة قد يظهرا يومًا ما في مرحلة عمرية أكبر ويكون حينها ذاك الطفل هو المسؤول عن نفسه وقرارته. لكن على النقيض، فالتمسك بحبال الشهرة والاتكاء عليها بجعلها على عاتق الطفولة لطلب الرزق ما هو إلّا ردمًا لروح طفلٍ/ طفلة ذنبهم الوحيد أنهم أبناءً لأسر همها الوحيد ما ستجنيه من تميز أبناءها وموهبتهم قبل مصلحتهم كأطفال لهم حقوق وواجبات على عاتق من وُلِيَ أمرهم وليس العكس.
فهل بوسعنا الحد من انتشار وتداول صور وأشكال الطفولة الموءودة ببرامج التواصل الاجتماعي قبل أن تقضي على ما تبقى من براءتهم أنانية وجشع والدينهم!؟
هاجر هوساوي
@HajarHawsawi
هل سيأتي اليوم الذي ستبتزنا فيه أجهزتنا الذكية؟
الاجهزة المحمولة وما أدراكم ما الاجهزة المحمولة؛ عينٌ عليك وعينٌ على تحركاتك وعينٌ اخرى على خصوصياتك. غالبًا ما نحتفي باقتناء أحدث الاجهزة وأكثرها تطورًا، ونفتخر بمميزاتها بين مثيلاتها من الاجهزة، ونباهى بين الاخرين بالأجيال التي وصلت لها التقنية الحديثة بأجهزتنا. وكل ذلك ليس إلّا مجهرًا علينا وعلى سلوكياتنا؛ فما نخشى من البوح به تحفظه اجهزتنا، وما نخفيه عن غيرنا معلومٌ به في ذاكرتها، وما نخطوه في السر بعيدًا عن الاخرين تحفظه بالثواني والدقائق بحذافيره. فهالة الخصوصية التي نظن بأنها تسترنا عن الآخرين؛ قد تصبح اليدان التي ستخنق رقابنا يومًا.
في خطواتنا الروتينية التي قد لا نحتاج فيها لتطبيق الخرائط؛ نجد في نهاية المطاف تنبيهًا بسيطًا لنشارك به تجربتنا أو تنبيهًا قصيرًا عن مدى راضانا بالموقع الذي زرناه سواءً كان مطعمًا أو سوقًا أو موقعًا لفعالية ترفيهية. تنبيه بسيط عن مدى الرضى يجعلك تفكر بربطه بخطواتك وكأن أحدًا ما تتبعك حتى وصولك لوجهتك. وأيضًا عند إغلاق التطبيقات المفتوحة في نهاية الشاشة فإمّا تصبيحه أو تمسيه قصيرة مع تنويه قصير أنها "وفقًا لموقعك". وغيرها من التنبيهات التي تخص موقعك وتحذرك عن تغيُّر المناخ في حال خروجك من المنزل. وعلاوة على ذلك، عند مراقبة احصائية المدونات تكون الاحصائية شاملة موقع الزائر ونوع الجهاز والمتصفح المستخدم ونظام التشغيل ومصادر وصول المستخدم للمدونة ونوع برنامج التواصل الذي تصفحت من خلاله المدونة. وغيرها من الميزات التي تجعل المتصفح أو صاحب الموقع أو المدونة مكشوفًا من حيث موقعه والوسيلة المستخدمة.
ببرهه بسيطة بعد سكرة اعجابنا بالتطور الذي وصلناه في الاجهزة الذكية تأتي الفكرة التي تدخل الريبة الى نفوسنا؛ لأن لجؤنا لخصوصيتها قد يصبح يومًا مصدر تهديد مستقبلي. فقد أصبحنا مكبلين بها مغرمين بخصوصيتها فهي تحفظ عنّا ما نعجز عن ذكره أو البوح به لدي الآخرين وتقودنا للوجهة التي أغلب الأوقات لا نحب مشاركتها مع الغير. فهل سيأتي اليوم الذي ستبتزنا فيه أجهزتنا بالأسرار المحفوظة بداخلها؟ فهل سيأتي اليوم الذي تكون فيه أجهزتنا الخطر الذي يهددنا بلا رأفة؟ هل افكارنا وصورنا وملاحظاتنا ومشاريعنا قد تكون مهدده يومًا بالنشر على جميع الاصعدة.
يقيننا بأنها أكبر خليه تجسس على خصوصياتنا وذلك باختيارنا يجعلنا نتساءل؛ حينما تثور علينا أجهزتنا الذكية: هل سيأتي اليوم الذي ستبتزنا فيه؟
هاجر هوساوي
@HajarHawsawi
دوَّاجي الألفية الجديدة "مشاهير الإعلانات"
في تفاصيل بسيطة لبداية حكاية أغلب المشاهير الذين انتهى محتواهم في نهاية المطاف من إعلان لآخر. بدأوا كأي فرد متطلع للشهرة وشغوف بعرض اعماله والتحدث عن جودتها وشرح تفاصيلها؛ حريصًا على معرفة حجم الرضى لكسب تفاعل أكبر عدد من الجمهور مع سؤال المتابعين عن ردود افعالهم وتقييمهم للهواية أو المحتوى المنقول.
وبتسارع الوقت ومحدودية المحتوى المطروح وعدم تنوعه؛ تمر حساباتهم بمتلازمة الروتين وضعف الإقبال الذي يبدأ بالانخفاض تدريجيًا. والخيارات في ظل عدم وجود مادة جديدة للعرض تبدأ بالانحسار؛ ففي سبيل البقاء في عالم الشهرة فإمّا ان يكون الاجتهاد حلًا للارتقاء بالمحتوى والبحث عن أفكار عديدة تعيد المتابعين لسابق عهدهم؛ أو بالتوجه لأقصر الطرق بمحتوى أكثر لفتًا للانتباه وجذبًا لجميع الفئات أيًا يكن ايجابيًا أو سلبيًا.
هناك من يتعمّد خلق مشكلة مع الآخرين من لا شيء، ومن يفتعل فضائح تعيد الحديث عنه في الساحة، أو من ينتقد أيًا كان بشراسة، أو من يلجأ لنشر محتوى لا يليق. فيتحول نشاط الحساب تدريجيًا من نشر محتوى يخص المشهور وأعماله، لحساب للحديث عن الآخرين ونقل أخبارهم؛ فيتم تجاهل الهدف الاساسي الذي كان سببًا لشهرة الحساب ليبدأ بالتلاشي وصولًا لطي النسيان. وبذلك تكون كتبت نهاية المحتوى وبدايةً لنقله اخرى هي أبعد ما تكون عنمّا نُشر في السابق؛ فمن اهمال الأصل المعني بالكيف (المحتوى الاساسي)، للتركيز في الفروع (محتوى خاص بالآخرين)، ثم القشور التي تعنى فقط بالكم أكثر من الكيف لينطفئ نور الإبداع وليشتعل نور الماديات التي ستُجنى من خلال الحساب.
فأصبح المحتوى مقتصرًا على الإعلانات؛ منتقلًا من إعلان لآخر ومن فعالية لأخرى الهدف منها الإعلان عنها والترويج للحدث. ومع تطور الأوضاع بات يطلق على الاغلبية منهم بالإعلامي والإعلامية بعد أن كانوا يحلمون ألقابًا اخرى لنفس مجالاتهم التي اشتهروا بها في السابق. فالانحدار في المحتوى والتعود على الشهرة قادهم للمستحيل مهما كان أو كلفهم الأمر.
ملحوظة .. المشهور الحقيقي صاحب المحتوى المؤثر والمفيد لا يموت محتواه بل أفكاره تظل في تجدد وتطور وتنوع مع الأيام تغيُّر الازمنة.
هاجر هوساوي
@HajarHawsawi
الخميس، 4 أبريل 2019
ارهاب الكلمة
في ظل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة تصفح المواقع وكثرة المستخدمين باختلاف أعمارهم واهتماماتهم وتوجهاتهم أصبح وصول الكلمة سريعًا لأكبر عدد من القُرَّاء وتبادل الآراء ومناقشتها بات مباشرًا بين الكاتب والمتلقي. وكلما كانت الكلمات عميقة كان صداها أقوى وأعم وأكثر انتشارًا؛ فالكلمة ذات البصمة التأثيرية سواءً كان تأثيرها ايجابيًا أو سلبيًا؛ فهي تستقطب الكثيرين بتنوع اهتماماتهم وإلمامهم بما كتب من عدمه. فتكتظ الردود وتتتالى إمّا تأييدًا أو تعديلًا أو تنبيهًا أو اعتراضا وفقًا لمنظور القارئودرجة إحاطته بالمقروء من العبارات. فتارةً صوت العقل يعلو ببعض الردود وتارةً اخرى تعلو أصواتًا لا تعترف بالمنطق ولباقة الردود وآداب المحادثة؛ فلا تخجل من مشاركة أي تعليق سلبي أو تكترث للذوق العام.
الردود السلبية ممارسات أقل ما يقال عنها أنها إرهابًا في حق الكلمات المكتوبة؛ تُخرِج القُرَّاء من مضمون الكلمات المنقولة لتقودهم لتفاصيل اخرى لا صلة تربطها بالموضوع الأساسي المطروح. فمنها الردود المحبطة التي لا تحمل شيئًا من ابجديات النقد البنَّاء سوي تثبيطًا لعزائم القلم وقتلًا لروح الحروف الرصينة. ومنهم من يشخصن المكتوب لتتحول الردود من الفكرة والهدف منها إلى الكاتب وكل ما يتعلق به. وقد يتم تحوير الكلمات استهزاءً بما كُتب، تقليلًا بأهميتها، تحجيمًا لمحتواها، وتصيدًا للخطأ فيها لغويًا أو إملائيًا. وقد تنتهي ردود البعض بمحاولة تأليب الرأي العام على المكتوب ووسمه إمّا بالخيانة أو الركاكة أو بضعف الحجة. فيتم اخماد الفكرة الاساسية بكل رد ثانوي لا يُكمّلها أو يدعم مصداقيتها، أو يحسن من محتواها.
ففي ظل الارهاب المتعمّد الواقع على الكلمات بردود انعدمت فيها حُسن النوايا وهي ابعد ما تكون عن المحتوى المنشور؛ بات هناك اقلية مُنفِرة للكلمة الصادقة .. مُقيدة لأفاق الكاتب .. طامسه لحرية الرأي .. مؤججه لنيران الفتنة .. داعمة لعبارات المجاملة ومروجة لها. فالإرهاب بحق الكلمة لا يمحي أثرها بل يُخلده في ذهن كل من قرأه وتفاعل معه أو نقله تأييدًا أو اعترضًا؛ فالكلمة الرصينة لا يُميتها إرهابها بل تحيا بجميع الأفكار شامخة بمصداقيتها.
للمتنمرين على الكلمات إن لم تتوافق وجهة نظرك مع المكتوب تجاوزه بأدب الحوار أو بلباقة الردود أو بحسن الأسلوب.
هاجرهوساوي
@HajarHawsawi