الجمعة، 21 فبراير 2020

البراءة المختطفة

في نص تراجيدي لحدث درامي يقال فيه: "أنت بالواقع مختطف وما تعيشه في السابق وهمٌ لأن الحقيقة ستجدها مع أفراد أسرتك الحقيقيين؛ ووضعك الحالي لا يمت للواقع الذي ستكون عليه بصله". نص يحمل جملة خبرية ليست كأي نبأ تقرأ عنه أو تسمع به حتى تعيه بكامل جوارك؛ فجرَّاء ذلك وفي لحظة بسيطة تضج بها مشاعرك وتتخدر منها أحاسيسك وتختلط فيها ردود أفعالك؛ فهل فعلًا ما كنت أعيشه كذبًا؟ أو أن ما سمعته كابوسًا وسأقوم من نومي لأتخلص من أحداثه التي أشقتني وأنا في عز نومي؟

ففي وقت قصير تدور الدنيا بالبراءة المختطفة لتأخذها في جولة سريعة حول ماضيها؛ لكنها جولة سقيمة أحداثها تقطع أواصر علاقاتها التي ما فتئت تؤمن بحقيقتها في مجريات حياتها. والعمر الصغير الذي انتزعت فيه تلك البراءة عمل على محو ذلك الرباط المقدس المتأصل بين الأم ووليدها؛ فالبيئة التي نشأ بها عملت على غرس ولاء آخر للنفس الأنانية التي حرمت وليدًا من العيش في كنف أسرته.

فهل لهذا الوضع الحالي التي تعيشه الحيوات المختطفة جوانب أخرى ذات تأثير قوي على نفوسهم قبل مشاعرهم أو على تقبلهم للمجتمع قبل تقبل أنفسهم ومن حولهم بالوضع الجديد الذي أصبحوا عليه بشكل مفاجئ:
فإذا تطرقنا للجانب العاطفي فالمشاعر تجاه الماضي تتضارب مع الحالية؛ ليقيسا العقل والروح هل يقاوما أو يعملا على ذرع أي بذرة أمل لمشاعر مستقبلية. فإحساس الولاء لدي المختطف للذات المخُتطِفة رغم عظم خطيئتها فاق الصدمة المرتبطة بفداحة الجرم المرتكب بحق حيواتهم المختطفة.
وفي حالة التحول المرتبط بالجانب الاجتماعي المتعلق بنظرة المجتمع في الحياة السابقة للحيوات المختطفة عمدًا وكيف بها قد تبدلت فجأةً بين ليلةٍ وضحاها لنظرة أخرى في الحياة الجديدة. فهي نظرة مجتمعية عامة والأكيد أنها تلقائيًا ستتبدل بتغير الحال؛ لكنها بالأخير تتعلق بمستقبل البراءة المختطفة التي قد تُظهر لهم قساوة المجتمع الذي يعيشون به؛ فهي نظرة تقيم الحالة التي يكون عليها المرء قبل أن تقيمه على أساس انسانيته. وأمّا بحالة التقبل سواءً ممن اعتبرهم أو ظن أنهم أفراد عائلته أو من سيصبح جزءً منهم فهو ظرفٌ آخر مرتبطٌ بقصة أخرى يومًا ما سيداويها الوقت.
أمّا الجانب النفسي فهو المعضلة الكبرى لأنه عبارة عن تراكم للجوانب والحالات السابقة لارتباطه بعوامل كثيرة أولاها التعود أو التكيف مع الوضع الجديد وأخرها التأرجح في مرارة خطف العمر وخطف الحياة وخطف الواقع ثم خطف الهوية.

وبذلك فالخاطف لم يخطف الأمومة الحقيقة فقط بل خطف الصدق في علاقته بهم، وخطف الأمان المزعوم في تربيته لهم، وخطف الإخلاص الذي غرسه بنفوسهم، وخطف النور الذي حاول أن يضيء به حياتهم، وخطف الحب الذي ما فتئ من تقديمه لهم.

وفي هذا الشأن يتساءل العقل دائمًا ويبحث القلب عن أجوبة شافيه له لتلك الحيوات المُختطفة:
- كيف لمن يخطف طفولة طفل بلا رأفة أن يهب حياة بكل رأفة؟!‬
- وكيف لمرءٍ لم ينفطر قلبه لصراخ طفلٍ بكى فراق أمه؛ أن ينفطر قلبه لاحقًا لفراقه؟!‬

هاجر بنت عبدالله هوساوي
@HajarHawsawi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق