الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

عام التحديات ٢٠٢٠

قياس الكفاءة والجودة يظلا مجهودان نظريان ما لم يتم تطبيقهما في تجربة حقيقية على ارض الواقع. لكن من كان يعلم أن عام ٢٠٢٠م هو العام الذي سيطبق فيه الجميع أنواع ومختلف الفرضيات والنظريات التي درسوها وتدربوا عليها ثم جربوا جاهزيتها وجاهزية العاملين على تطبيقها. مطلع هذه السنة كان مختلفًا كل الاختلاف عن الأعوام التي مضت وكل شهر فيه يحمل قصة مختلفة وقضية مختلفة ونمط معيشيي مختلف عن الآخر؛ فهو العام الذي غيَّر جميع الحسابات الزمنية والمكانية والتركيبة الاجتماعية. عامٌ تبدلت فيه الأولويات، وتكشفت فيه الحقائق، وتوضحت فيه امكانية تحقيق الوعود التي تسمعها الشعوب. لن نجزم بأنه لم يكون عامًا مميزًا في بعض الجوانب لكنه على وجه الخصوص عامًا تفرَّد بكشف الجانب الإنساني الذي ربط جميع القطاعات فيما بينها سواءً الحكومي منها بهيئاته منظماته والخاص والتطوعي. فهو عامٌ تحدى الإمكانات البشرية فأبرز سرعة بديهتهم، وقوة استيعابهم للحدث الذي يعاصرون تبعاته وتطوراته، وبيَّن محدودية ولا محدودية استطاعتهم في التعامل مع الأزمات والكوارث.
 
أمّا الحدث الأعظم من أحداث هذا العام الذي سنطوي آخر صفحاته بهذه الليلة؛ هو انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد١٩) في جميع انحاء العالم. فهو حدثٌ عجيب بدَّل اتجاهات ووجهات وسلوكيات جميع الدول؛ فلا عجب من غرابته فالتعليم توقف عالميًا لفترة زمنية قبل أن يصبح في الثلث الأخير من نفس العام عن بُعد؛ العلاقات اصبحت شبه مقطوعة في محيطنا الصغير قبل الكبير؛ الاقتصادات العالمية وصلت لذروة خمولها "باتت على حافة الانهيار"؛ والتواصل المباشر أصبح مصدر تهديد بعد أن كان سلامًا وأمانًا. فتباينت خيارات الدول تجاه الجائحة؛ فأحدها اتسم بعقلانية والآخر بواقعية وخيارات البعض سادت فيها العاطفة؛ لكن بفضل الله مملكتنا جمعت بين عقلانية الظرف وواقعية الحالة وأهمية العاطفة حتى تجاوز المجتمع بجميع أطيافه صعوبة الأيام ومرارة اختلاف واقعه عن حياتنا الطبيعية.
 
لذلك على سبيل الفخر بجهود "المملكة العربية السعودية"؛ على الرغم من أن الجائحة أثرت على معظم الأنظمة الصحية واظهرت اختلاف تعاطي الدول مع هذا الحدث في مختلف القطاعات؛ إلّا أن قيادتنا الرشيدة صرَّحت منذُ بدء الجائحة بأن "صحة الانسان أولًا" فتمثل ذلك في كل ما يتعلق بصحة المواطن والمقيم والمخالف لأنظمة الإقامة والعمل وبدأ ذلك فعليًا بمجانية فحص كورونا ثم العلاج واجراءات العزل والان اللقاح. وفيما يخص قطاع التعليم؛ فقد سُخرت كل الامكانات التقنية، وصُممت البرامج المناسبة، وهُيئت البيئات الآمنة وتعزز ذلك بتضافر جهود الجميع من المدرسة للبيت؛ فالجميع أدى دوره بفعالية حتى تنجح الخطط وتتحقق الاهداف التعليمية التي كانت ركيزتها ضمان تحصيل الطلبة وتكافؤهُ مع المخرجات التعليمية المتوقعة للتأكد من نجاح خطط التعليم عن بُعد. واظهر الفرد وعيًا كبيرًا بمسؤوليته تجاه مجتمعه؛ فنشط الجانب التطوعي وأصبح ذا فاعلية كبيرة مسخرًا جميع امكاناته وذلك بالعمل جنبًا الى جنب مع جميع القطاعات.
 
على الصعيد الشخصي؛ فقد تعرَّف الفرد على مواهبه ومهاراته الكامنة وذاته المجهولة وأصبح أكثر دراية بها وبحدود قدراته؛ حتى هواياته المنسية مع كثرة المسؤوليات وتعدد اسباب الانشغال بحياته عادت له بدرجة شغفه السابق. وفي نطاق العلاقات؛ تغير المفهوم العلائقي وبات أسهل وأسرع تواصلًا بين أفراد العائلة؛ بسبب تقارب العلاقات الشخصية وتعرف الاخر على تفكير وعادات وتفضيلات من حوله. فأيام الحجر ساعدت على اتساع مساحة الحوار التي باتت أكثر انفتاحًا وتفهمًا وتقبلًا لاختلاف الآخر ومراعاة لاهتماماته.
 
وعلى الرغم من صعوبة التحديات التي تحتم علينا مواجهتها؛ فقد اختبرنا جاهزية قطاعات عدة بكفاءة عالية فكانت النتائج مُبهرة عالميًا قبل ان تكون محل انتباه اقليمي. لذلك يمكننا أن نعبر فخرًا بأن عام ٢٠٢٠م هو عام التحديات ذات الوجه السلبي الذي أخذ الجميع لكل خيار إيجابي؛ فوجَّه بوصلة الجائحة للمسار الاسلم للشعوب وللحلول المُثلى التي ساهمت في استحداث كل فكرة ومخطط أو وسيلة مكنت الشعوب للعبور منها بأقل الخسائر واكتشاف أفضل الإمكانات وأكثرها جودة على النطاق العالمي.



هاجر هوساوي
HajarHawsawi@

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

مُتنفس

في ثوانيٍ معدودة بحالاتٍ عدة تُظهرها للآخرين حتى يبصروا عكس ما يُخفيه قلبك المُنكسر ويشرد بها فكرك المثقل.
فتبدو سعيدًا وقت حزنك
تظهر عمق صبرك في عز كربتك
تظهر تحملك في ظل عدم مقدرتك
تظهر عافيتك في وطأة مرضك
تظهر عزتك بوقت بحثك عن عمل
تظهر تمكنك بالوقت الذي لمست ضعفًا في شخصيتك وقدراتك
تظهر اكتفائك بوقت حاجتك لرفقة تعينك
تظهر قوتك كي لا يلمح أحدًا انكسارك
تظهر أهميتك وانت تغوص في بحور التهميش
تظهر كرمًا وانت لا تملك ما يسد جوعك

ولأننا لا نشكو كثيرًا ونُخفي الكثير والكثير عن من حولنا حتى لا نُبدي لهم ما قد يزيدهم انشغالًا علينا فأننا نحاول التعايش مع كل ما نُبْطِنُه في دواخلنا.  وعلى الرغم من كل ذلك، في الواقع إننا بحاجة ماسة لمتنفس يخفف عن قلوبنا وعقولنا وأبداننا ما يرهقها من خيبة الصمت. لذلك إصنع متنفسك بعيدًا عن الآخرين متنفسًا تركن إليه كلما خارت قواك ونهزمت روحك وتحطمت عزائمك. متنفسًا تبتكر فيه ما تستطيع من خلاله أن تثرثر كما تشاء بلا رقيب يقيمك أو يثبط عزائمك أو يرأف عليك شفقةً على المآل الذي انتهيت عليه.

ملاحظة؛ المتنفس هنا لا نعني به "الفضفضة" التي قد يعتادها الفرد مع كل عابر؛ فقد يكون متنفسك عبارة هواية قلبك شغوفًا بها، أو مكانًا مميزًا روحك تصفوا في التواجد به، أو أوقات راحة مستقطعة من وقتك الثمين تكون بمثابة طوق النجاة تتعلق به كلمت غرقت في بحور الانشغال.

فاختر متنفسك بحكمة الشيخ، وإلحاح الطفل، وقناعة المراهق، ونضج الكبير.

هاجر هوساوي
HajarHawsawi@