الجمعة، 7 أغسطس 2020

وما ظنناه بعيدًا إقترب

وكان حدثًا بعيدًا نتابع مستجداته عبر الأخبار ونراقب ما يحدث لدى الغير من تفشي سريع وأعراض مخيفه ووفيات كثيرة. في بداية الأمر البعد الجغرافي يشعرك بحصانة وطنك لكن شيئًا فشيئًا في غمضة عين عبر الفيروس الأراضي ثم بدأت تتسع مساحته لتضيق دائرته علينا وتكسر الحدود وتشق الأقاليم واحدًا تلو الآخر. ففي بضع شهور تدرج بهدوء عبوره وشراسة إصابته حتى اجتاح معظم بلدان العالم.


فكلما ضاقت الدائرة إزدادت المخاوف وقل الاهتمام وذلك بحكم ان الجميع اعتاد سماع الخبر وتداوله. وما ظنناه بعيدًا بُعد المشرق عن المغرب اقترب كحقيقة شروق الشمس من مغربها وباتت الحكايات التي نسمعها عن الغير واقعًا لدينا.


وما رصدناه عبر التلفاز تخطى حدود البلدان ثم المناطق والمدن والقرى وبعدها بين الأحياء وبتنا بعد ذلك نسمع عن إصابة الأقرباء البعيدين والأصدقاء وتلاهم الأقرباء المقربين ثم في غفلة الاطمئنان من وطأته غدر بالأشقاء ليلحق فينا الأذى بلا رأفة.

فتلك حقيقة ما ظنناه بعيدًا واقترب





هاجر بنت عبدالله هوساوي

HajarHawsawi@

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

ما بين تعظيم لقمة العيش وتحجيمها

دائمًا ما يستثير عقلي وتدور في ذهني أسئلة عديدة تتعلق بمسألة الوظائف والتوظيف ولأني لا أطيق الجواب عليها أو بالأحرى عقلي الباطن يرفض الجواب عليها؛ فأتغاضى عنها بعدم مناقشتها أو تبادل الآراء في شأنها. لكن ذات يوم طلبت مني إحداهن نشر محتوى يخص إحدى بائعات "شاي الجمر ومشروب الكود رد" ومرفقةً مقطعًا لأحدهم وهو يسهب مدحًا وبالمقابل مستعطفًا الآخرين بمعاناتها. في البداية قمت بوضع نفسي مكانها من جميع الجوانب وذلك ما دفعني في نهاية الامر على التساؤل؛ هل البحث عن لقمة العيش أمر سهل؟ أو هل قرار امتهان أي مهنة مهما كانت صعوبتها وسهولتها أو درجة تقبلها أو رفضها مجتمعيًا أمر سهل واعتيادي؟! فالجميع يعمل بكد وتعب ويتمنى الأحسن له ولغيره ويقبل أي عمل مؤقت أو جزئي يلبي احتياجاته مهما كان نوع ذلك العمل وطبيعته الى أن يجد الفرصة الوظيفية الملائمة لتخصصه الذي أمضى سنوات طوال من عمره وهو يدرسه حتى تخرَّج بعد جهدٍ وهو متغلبًا على معظم العثرات والعقبات التي واجهته خلال مسيرته التعليمية.

في الواقع ففي شأن التوظيف والأعمال ظهرت مؤخرًا في سوق العمل بعض الوظائف والمشاريع الصغيرة التي أثنى الجميع بلا استثناء على جراءة واصرار وقوة شخصية العاملين بها؛ وذلك لم يكن إلّا دعمًا لهم وتشجيعًا لجهودهم وشكرًا لتفانيهم. وأيضًا على النقيض ظهرت مؤخرًا فئة بسيطة تبالغ في التعظيم من شأن كل شيء وتنعت بعض الأعمال بالبطولية وتسهب في تمجيدها حتى يكاد المرء المطلع على المحتوى أن يصدق واقع مثالي آخر للوظيفة متناسيًا الحقائق أو الشغف أو الظروف التي اجبرت الآخرين على العمل بها. أغلبنا يؤمن بأن أي عمل مشروع هو موضع اهتمام واحترام مهما كانت درجة تحمله أو مهما اختلفت نظرة المجتمع في تقبله. لكن الاختلاف في السطور السابقة ليس في العمل ذاته لكن في محاولة التعريف به ومحاولة اختزاله وتنميطه بصورة جديدة وكأنه طموحًا عظيمًا وعملًا ثابتًا وليس بعمل جزئي أو مؤقت.

فالجميع مع أي نوع من أنواع العمل لكن ضد تلميعه للعامة وكأنه عمل خارق عن العادة خارج عن إمكانات البشر. ومع العمل ليلًا ونهارًا والنشر للتعريف به وبمن تبنوه لكن ضد المتاجرة بآلام اصحابه. ومع أي عمل وأي فكره عملية لكن ضد تعزيزها وترسيخها بذهن الغير. وأيضًا مع الدعم لكن ضد قولبته هذه الأعمال الشريفة بصورة نمطية جديدة تضاف للسمات التي يتم قولبة مجتمعنا كاملًا على أساسها. لذلك فالعمل أيًا كان ليس عيبًا لكن العيب يكمن في أننا نصور سعي الآخرين لرزقهم بشتى طرق الإمكانية المتاحة لديهم وكأنه عمل خارج العادة أو صعب الاستطاعة متناسين أن أصحابها قد يكونوا عاشوا ظروفًا أو أحولًا أرغمتهم عليه.

فالعبرة فيما ذكر أن جميع المهن تحترم بلا انتقاص متعمد في أي مهنة ولا المبالغة في تزييف تعظيمها وتعظيم من تحتم عليه العمل بها؛ والصحيح أنه من واجبنا المجتمعي أن نشد من أزرهم ونُعينهم بشكل طبيعي لكن بالمقابل لا نوهمهم أنها بطولة وخيار دائم لهم ما داموا مؤهلين لوظائف اخرى تتناسب مع تخصصاتهم وقدراتهم. وبعيدًا عن عدسة الكاميرا وفلاشات المصورين لا تنسوا الجانب النفسي لهم فإن كانت الحاجة اضطرتهم على تبني عملًا بعيدًا عن ما درسوه وكرسوا جهودهم لسنوات لا تحطموهم نفسيًا بترسيخ حقيقة ما اكرهتهم الحاجة عليه بجعله إنجازًا وهميًا.

💡طموحات أبناء الشعب وبناته عالية جدًا، لذلك رجاءً لا تحجموا الطموحات الكبيرة بتلميع عمل اختاروه بشكل مؤقت وكأنه انتصارًا حتى لا يغدو ذلك في المستقبل هدفًا أو شغفًا أو طموحًا أو واقعًا لمن هم بعدهم.

هـاجـر هـوسـاوي
@HajarHawsawi