الثلاثاء، 16 يوليو 2019

الفجوة

لبرهه بسيطة حاولت الصمت عن الجدال الذي بدأ مع الوقت في أن يصبح أبديًا؛ فهو لا ينتهي ولا يصل في آخره لقناعة تامة من أحد أطراف الجدال. فلا تعلو فيه الأصوات بل تتشنج فيه القناعات؛ فهو جدالٌ لا تحده حدود بقدر ما أنه نشأ بين أقطابٍ متنافرة أحدها لترسيخ قناعة أو رأي والآخر لكسره أو لكبح جماحه. وبينما عينُ الحال المترقبة تعكس اختلافًا أبطاله بحقبة زمنية واحده لكن واقع منظورهما للأمور يبرهن أنهم من عالمين مختلفين كل عالم من عوالمهما يغوص في تناقضٍ جلي أظهر تباين الاهتمامات، وتغيُّر الأولويات، وتجدد التفضيلات، والانحياز للأفكار.

فثقافة العيب وما يصح وما لا يصح التي كانت أساسًا للتعامل سابقًا بين الكبار والصغار باتت لا تشكل أولوية تعامل ولا تولَّي أدنى اهتمام تحركها فقط اللامبالاة؛ فالكل سواسيه في التواصل معهم كبارًا كانوا أو صغارًا. حتى ما يجب أن يقال ومتى لا يجب قوله ولمن توجِّه حديثك وكيف تزِنه قبل النطق به كلها تفاصيل لا تشغلهم فالأحاديث تجري ببساطة تامة مع الجميع. أيضًا وقياس ما يوافق أعمارهم وما لا يوافقها لا يؤمنون به بل هو بمنظورهم قيدًا عظيمًا يستنقص من قدراتهم التي يرون بأنها تعدت الحد الذي يعتقد الآخرون بأنه يوائمهم. وإضافةً إلى ذلك، لإثبات التمرد على الذات قبل الآخرين، الإصرار على الخطأ أو الرأي المناقض للآخرين أمِّا ايمانًا بصحته أو عنادًا لمن برهن عكس ظنونهم. فالتمسك بالفكر المغاير رغم الايمان بشذوذه لم يكن إلّا ثورة على من بظنهم أنَّه يعيش ركودًا فكريًا.

في الحقيقة، الجدال المتكرر لنفس الموضوعات لن ينتهي كما العلاقة التي تربطك بهم؛ لذلك راعي عمق الفجوة التي عمقتها بينكم السنين فلا تكسر حبل الحوار ولا تستنقص من أي قناعه ولا تسفه رأيًا يخالفك. وللوصول لحل يرضي قناعة الطرفين؛ قد يكون أمّا بقبولٍ مبدئي للاختلاف لدحض أي فتنة ستقود متانة العلاقة للخلاف. ولتتقارب وجهات النظر قد تكون خطة العبور لأنصاف القناعات حلًا بسيطًا ليكسب كلا الطرفين ثقة الآخر؛ وذلك بجعل حيز الحوار مفتوح أو متسع لا هو تشددي لقناعة الآخر ولا هوا اقصائي لقناعاتهم.

فالإيمان بوجود فجوة كبيرة جعلت من المفاهيم والافكار بيننا وبين مراهقينا مختلفة تستخصر علينا عمرًا كاملًا من الجدال معهم على ما يرونه حقًا وما نراه حقا

اِبني لبنة تقارب معهم .. ولا تهدمها بتسفيه ما يؤمنون بأنه صلبًا يستطيعون البناء عليه

هاجر هوساوي
@HajarHawsawi

الأربعاء، 3 يوليو 2019

لا ترفع من قيمة مالا قيمة له "عن أصداء ما بعد الهروب"


أشياءنا التي نفتخر بامتلاكها وأولوياتنا التي نحرص على إتمامها وأفكارنا التي نجحنا في تحقيقها وبتنا نعتز بها؛ جميعها دائمًا ما نعطيها جُلَّ أوقاتنا وافتخارًا بها نسهب بالحديث عنها مع العامة. فكثرة الانشغال بها أطفى عليها شيئًا من الأهمية وأعطاها القيِّمة التي جعلتها تتلألأ في نظر الآخرين. وأيضًا بعض الموضوعات لا تزداد قيمتها ليلمع بريقها إلّا بكثرة الحديث عنها وتداولها بين الملأ سواءً سلبًا أو إيجابًا. وفي عالم التواصل الاجتماعي أغلب العناوين أو حتى الأشياء لم تتضاعف قيمها إلَّا بعدما بات يُستغل تفردها من قِبل أفرادً يبحثون عن أي مادة ذات جدلٍ واسع لتجذب الأنظار لهم وتزيد من نسبة متابعيهم أو مؤيديهم.

مؤخرًا تمادا الكثيرين في تسليط الضوء على موضوعات أصبح لا هدف منها سوى تشويه الواقع العام الذي نعيشه بمجتمعنا؛ وأيضًا شاع تداول الأحاديث عن تصرفات لا تمت لأخلاقنا العامة بصلة بقدر ما أنها تحاول تزييفها وتمريرها لأهداف أخرى. قالوا سابقًا "أميتوا الباطل بالسكوت عنه." أمَّا بالنسبة لإدارة الأحداث والقضايا الأسرية أو الحساسة لدينا؛ فنحن ما نفتأ من ذكرها حتى تنتشر في جميع العوالم كتفشي الأمراض الخبيثة التي يستعصي علاجها حتى يدفع كل عضوٍ زارته جرثومة المرض ثمن الانتشار في البدن. فكثرة الحديث عن الأفعال التي لا يتقبلها عقل ولا يحكمها منطق استنكارًا وشجبًا أو تأييدًا ما هو إلّا أداة لإحياء الباطل الذي اُمرنا بالسكوت عنه ممّا أدى لإعطائه قيمة أكبر أعادت له الأضواء التي لا يستحقها محتواه. فكل إثارة رأي لأي قصة أو قضية بائدة ما هو إلّا جذوة خبيثة اُريد بها تسليط الضوء مرةً أخرى على ما اُعتبر صفحة مطوية من الأحداث.

كلنا يعلم أن القضايا تبدأ بالانحسار تدريجيًا إن سكتنا عنها وأهملنا متداوليها وأيضًا كلنا يعلم بأن العودة مرارًا وتكرارًا للحديث عنها ما هو إلّا وسيلة لجذب الانتباه لذات الأمر ومحاولة لإبقائه على الصفيح الساخن للأخبار العاجلة؛ لأن البعض بات يقتات على رفاة نشرها إن لم يكن قد أصبح منهاجًا أساسيًا لسد رمق أصحابها. ومحاولة التشبث للتواجد على شريط الاخبار العاجلة بات رزقًا جديدًا يقتاتون منه منتجيها.

لذٰلك سواءً كانت قصة أو حدث أو قضية اجعلوها موءودة في طي النسيان الذي عبرت حدوده لتعيش شذوذه وذلك بعدم النبش في ذات الخبر وعدم السؤال عن المآل الذي آلت له أو بعدم البحث عن المحتوى ذاته وإيقاف تناقل المحتوى المسيء منه أو الجيد عنه.

فمجرد الإهمال يجعل منه بلا قيمة تُذكر؛ وبيدنا الارتقاء بما يرتقي بنا ويزيدنا رفعة؛ وبيدنا أيضًا عدم المشاركة في رفع قيمة مالا قيمة له.

هاجر هوساوي
@HajarHawsawi